بسم الله الرحمن الرحيم
سؤال مهم يسأل عنه كثير من الناس في هذة الايام الفاضلة الكريمة لاسيما ونحن الان سوف ندخل في العشر الاواخر من رمضان ان شاء الله فيريد كثير من الناس ان يسافر الي احد المساجد التي يعتكف بها احد المشايخ المعروفين فيأتي السؤال الذي يطرح نفسه وهو:
هل يجوز للانسان ان يسافر للإعتكاف في مسجد غير المساجد الثلاثة (المسجد الحرام -المسجد النبوي -المسجد الاقصي ) ام لا يجوز له ذلك؟
الجواب نقول انه لا فرق بين الصلاة والاعتكاف فلو سافر الانسان الي مسجد غير الثلاثة لا يجوز له ذلك لعموم قوله صلي الله علية وسلم { لَا تُشَدُّ الرَّحَّالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ، وَمَسْجِدِي هَذَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
قال السندي في حاشيته علي سنن النسائي وابن ماجه قَوْله ( لَا تُشَدّ الرِّحَال إِلَخْ )
نَفْي بِمَعْنَى النَّهْي أَوْ نَهْي وَشَدّ الرِّحَال كِنَايَة عَنْ السَّفَر وَالْمَعْنَى لَا يَنْبَغِي شَدّ الرِّحَال فِي السَّفَر بَيْن الْمَسَاجِد إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد وَأَمَّا السَّفَر لِلْعِلْمِ وَزِيَارَة الْعُلَمَاء وَالصُّلَحَاء وَلِلتِّجَارَةِ وَنَحْو ذَلِكَ فَغَيْر دَاخِل فِي حَيِّز الْمَنْع وَكَذَا زِيَارَة الْمَسَاجِد الْأُخْرَى بِلَا سَفَر كَزِيَارَةِ مَسْجِد قُبَاء لِأَهْلِ الْمَدِينَة غَيْر دَاخِل فِي حَيِّز النَّهْي وَاَللَّه أَعْلَم .
ومما يدل انه لا فرق بين الصلاة والاعتكاف في السفر قول العلماء في ذلك ومنه
قال في مطالب اولي النهي شرح غاية المنتهي ( وَمَنْ عَيَّنَ ) بِنَذْرِهِ لِاعْتِكَافِهِ أَوْ صَلَاتِهِ ( مَسْجِدًا غَيْرَ ) الْمَسَاجِدِ ( الثَّلَاثَةِ ) ، أَيْ : الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ، ( لَمْ يَتَعَيَّنْ ، وَيُخَيَّرُ ) مَنْ عَيَّنَ بِنَذْرِهِ مَسْجِدًا غَيْرَ الثَّلَاثَةِ ( بَيْنَ اعْتِكَافٍ بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُعَيِّنْ لِعِبَادَتِهِ مَوْضِعًا ، فَلَمْ يَتَعَيَّنْ بِالنَّذْرِ ، وَلَوْ تَعَيَّنَ غَيْرُهَا بِالتَّعْيِينِ ، لَزِمَ الْمُضِيُّ إلَيْهِ ، وَاحْتَاجَ إلَى شَدِّ الرَّحْلِ ، لِقَضَاءِ نَذْرِهِ ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا تُشَدُّ الرَّحَّالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ، وَمَسْجِدِي هَذَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وقال المرداوي في الانصاف
(( لا تشد الرحال إلا إلى الثلاثة المساجد ))
تنبيهان
الأول : ظاهر كلام المصنف هنا : أنه سواء نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد قريب أو بعيد عتيق أو جديد امتاز بمزية شرعية كقدم وكثرة جمع أولا وهو صحيح وهو المذهب وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب - ومفهوم كلام المصنف في المغني : إذا كان المسجد بعيدا يحتاج إلى شد رجل يلزمه فيه وهو ظاهر كلام أبي الخطاب في الانتصار فإنه قال : القياس لزومه تركناه لقوله عليه أفضل الصلاة والسلام [ لا تشد الرحال ] - الحديث وذكره أبو الحسين احتمالا في تعيين المسجد العتيق للصلاة وذكر المجد في شرحه : أن القاضي ذكر وجها يتعين المسجد العتيق في نذر الصلاة قال المجد : ونذر الاعتكاف مثله
وأطلق الشيخ تقي الدين في تعيين ما امتاز بمزية شرعية - كقدم وكثرة جمع - وجهين واختار في موضع آخر : يتعين
وقال القاضي و ابن عقيل : الاعتكاف والصلاة : لا يختصان بمكان بخلاف الصوم قال في الفروع : كذا قالا
فعلى المذهب : له أن يعتكف ويصلي في غير المسجد الذي عينه والصحيح من المذهب : أنه لا كفارة عليه كما جزم به المصنف هنا وهو أحد الوجهين ولم يذكر عدم الكفارة في نسخة قرئت على المصنف وكذا في نسخ كثيرة
ومما تقدم يتبين انه لا فرق بين السفر الي مسجد للصلاة فية او الاعتكاف فيه
وقال في شرح منتهي الارادات ( وَمَنْ عَيَّنَ ) بِنَذْرِهِ لِاعْتِكَافِهِ أَوْ صَلَاتِهِ ( مَسْجِدًا غَيْرَ ) الْمَسَاجِدِ ( الثَّلَاثَةِ ) أَيْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى ( لَمْ يَتَعَيَّنْ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَمَسْجِدِي هَذَا ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَوْ تَعَيَّنَ غَيْرُهَا بِالتَّعْيِينِ لَزِمَ الْمُضِيُّ إلَيْهِ وَاحْتَاجَ إلَى شَدِّ الرَّحْلِ لِقَضَاءِ نَذْرِهِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُعَيِّنْ لِعِبَادَتِهِ مَكَانًا فِي غَيْرِ الْحَجِّ ثُمَّ إنْ أَرَادَ النَّاذِرُ الِاعْتِكَافَ فِيمَا عَيَّنَهُ غَيْرَهَا ، فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا فَهُوَ أَفْضَلُ وَإِلَّا بِأَنْ احْتَاجَ لِشَدِّ رَحْلٍ خُيِّرَ عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِإِبَاحَتِهِ وَاخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ قُبَاءَ وَحُمِلَ النَّهْيُ عَلَى أَنَّهُ لَا فَضِيلَةَ فِيهِ وَحَكَاهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَلَمْ يُجَوِّزْهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ( وَ أَفْضَلُهَا ) أَيْ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ الْمَسْجِدُ ( الْحَرَامُ ) وَهُوَ مَسْجِدُ مَكَّةَ ( فَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ ) عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ( فَ ) مَسْجِدُ ( الْأَقْصَى ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد ( فَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا ، أَوْ ) نَذَرَ ( صَلَاةً فِي أَحَدِهَا ) أَيْ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ ( لَمْ يُجْزِئْهُ ) اعْتِكَافٌ وَلَا صَلَاةٌ ( فِي غَيْرِهِ ) أَيْ مَا عَيَّنَهُ لِتَعَيُّنِهِ لِذَلِكَ ( إلَّا ) أَنْ يَكُونَ مَا فَعَلَهُ فِيهِ ( أَفْضَلَ مِنْهُ ) أَيْ الَّذِي عَيَّنَهُ فَيُجْزِئَهُ فَمَنْ نَذَرَ فِي الْحَرَامِ لَمْ يُجْزِئْهُ فِي غَيْرِهِ وَفِي الْأَقْصَى أَجْزَأَهُ فِي الثَّلَاثَةِ وَفِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَجْزَأَهُ فِيهِ وَفِي الْحَرَامِ لَا الْأَقْصَى
وهذا في النذر فما بالك في التطوع فالاظهر والله اعلم ان السفر للاعتكاف في غير المساجد الثلاثة لا يجوز كالصلاة
هذا والله اعلم