ملتقى العلم الشرعي
عزيزي الزائر عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجيل الدخول إن كنت عضوا معنا أو التسجيل إن لم تكن عضوا وترغب في الإنضمام إلي أسرة المنتدي سنتشرف بتسجيلك
وشكرا

إدارة المنتدي
ملتقى العلم الشرعي
عزيزي الزائر عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجيل الدخول إن كنت عضوا معنا أو التسجيل إن لم تكن عضوا وترغب في الإنضمام إلي أسرة المنتدي سنتشرف بتسجيلك
وشكرا

إدارة المنتدي
ملتقى العلم الشرعي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ملتقى العلم الشرعي

توفير ما يحتاج اليه طالب العلم
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الأصول السلفية التي تنقض عقيدة الأشعرية في باب الصفات

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
طويلب علم




عدد المساهمات : 15
نقاط : 40
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 12/08/2011

الأصول السلفية التي تنقض عقيدة الأشعرية في باب الصفات Empty
مُساهمةموضوع: الأصول السلفية التي تنقض عقيدة الأشعرية في باب الصفات   الأصول السلفية التي تنقض عقيدة الأشعرية في باب الصفات I_icon_minitimeالخميس سبتمبر 15, 2011 2:13 pm

الأصول السلفية التي تنقض عقيدة الأشعرية في باب الصفات

الحمدلله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبيه الخاتم، وعلى آله وصحبه.
وبعد؛ فهذه خمسة أصول من حيث الإجمال اثنا عشر من حيث التفصيل تنقض مذهب الأشعرية في باب صفات الله، لخصتها من كلام أئمتنا -عليهم رحمة الله- عنيت بها جمعاً وصياغة وترتيباً، أسأل الله أن يتقبلها مني بقبول حسن، وأن يكتب لي ولمشايخي أجر الذب عن دينه وتوحيده:

* الأصل الأول: وجوب التسليم لله في جميع ما أخبر به عن نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

وقد دل على هذا الأصل الجامع جملة من الأدلة:
الأول: قول الله تعالى: (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الصافات: 180-182).
فنزه سبحانه نفسه عما وصفه به الواصفون وسلم على المرسلين لسلامة ما جاءوا به؛ فكل ما لم يأت به المرسلون في الخبر عن الله يسكت عنه اسماً كان أو صفة ثم قد ينفى لاشتماله على معنى باطل.
الثاني: قوله تعالى ذكره: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (الأعراف: 33)، وقوله :(وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الإسراء: 36 ).
و من القول على الله بلا علم؛ تجاوز النصوص في الخبر عن الله - تسمية أو وصفاً -؛ لأن الأشياء لا تدرك إلا بأحد ثلاثة أمور: مشاهدتها أو مشاهدة مثيلها أو إخبار الصادق عنها، والأولان منتفيان في حق الله فوجب المصير إلى الثالث ولزومه.
الثالث: قوله سبحانه: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) (طه: 110)، فحكم على عباده بالعجز عن الإحاطة به علماً؛ فلزمهم الوقوف عند الثابت في هذا الباب.
الرابع: قوله تعالى: (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)(الأعراف: 180)، وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا)(فصلت:40)، وآيات الله نوعان: كونية وشرعية، ومن آياته الشرعية: خبره عن أسمائه وصفاته؛ ومن الإلحاد فيها الزيادة عليها أو النقص منها.
واذا كان جحدُ علم الله المحيط بكل شيء قد أدى بقوم إلى ما حكاه الله قي قوله: (وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ) (فصلت: 22-23)؛ فكيف بالجاحدين له أكثر صفاته أوصفاته جميعها؟.
وأما العقل فلا يستقل عن السمع بإثبات شيء من الصفات بحيث تكون الصفة لم تثبت إلا بالعقل، وقد يستقل السمع بإثبات شيء منها فيصدقه العقل ولا يخالفه.
وقد تأكد وجوب تحقيق الإثبات للأسماء والصفات:
بإنتفاء النقل عن أحد من الصحابة يخالفه في أصل الإثبات أو في الظاهر منه لا نصاً ولا ظاهراً، وإعتقاد سكوتهم عن ذلك قدح في علمهم أو قول بخيانتهم.
فهل النصوص لم تفِ بالحق في هذا الباب والصحابة جهلوا هذا الحق، أم أنهم كتموه بعد علمه حتى أتى أرباب العقول هؤلاء فعلموا الحق بعد خفائه وبينوا وجه الحق من أدلته وحججه بعد اشتباهها وإيهامها؟ هذا ظاهر الفساد، كيف والله تعالى يقول: (إِنَّ هـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (الإسراء: 9)، ويقول: (فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ) (البقرة: 137).
ويتفرع عن هذه القاعدة أربعة أصول:
1. القول في نصوص الصفات كالقول في نصوص المعاد ( الايمان بها على ظاهرها= الايمان بها على ظاهرها).
فإن نصوص الصفات أكثر وهي متعلقة بالله؛ فالأمر فيها أعظم خطراً، ولأن المشركين الأولين لم ينكروا منها شيئاً بخلاف المعاد.
2. القول في الصفات كالقول في الذات ( إثبات الذات مع عدم العلم بكيفيتها = إثبات الصفات مع عدم العلم بكيفيتها، العلم بمعنى الذات لا يمنع الجهل بكيفية الذات= العلم بمعاني الصفات لا يمنع الجهل بكيفية الصفات، إثبات الذات مع القطع بعدم مماثلتها للذوات = إثبات الصفات مع القطع بعدم مماثلتها لصفات المخلوق).
3. القول في الصفات كالقول في الأسماء وهذا الأصل كما يرد على المعتزلة يرد على الأشاعرة : (عدم التفريق في الصفات بين السبع وغيرها= عدم التفريق في الأسماء بين الأسماء الثابتة التي دلت عليها وغيرها؛ بمعنى: إثبات الصفات غير السبع مع ثبوت كثير من الأسماء التي تدل عليها= إثبات الصفات السبع مع ثبوت أكثر الأسماء التي تدل عليها).
4. القول في بعض الصفات كالقول في بعض (في [1] الإثبات: السبع كالارادة= باقي المعاني كالحكمة والرحمة ، الاختيارية= المعاني، الصفات الذاتية الخبرية التي يسمونها صفات الأبعاض= الأعراض والمعاني) وهذا أصل كما يرد على الأشاعرة يرد على الجهمية والمعتزلة (الوجود و القدم= غيرها)، و(في [2] إرادة الظاهر من نصوصها: جميع ما تقدم).
ما سوى السبع:
دل عليها السمع، وهو كاف لاعتقاد الثبوت، ولم يعارضه معارض عقلي أو سمعي.
دل عليها العقل بدلالة أوضح برهاناً وأبين حجة من بعض السبع ( الحكمة والرحمة = الارادة: بل أولى لأنها علة غائية، أكثر ذكراً في القرآن، يشتق منها أسماء بخلاف الإرادة، وهي أقرب إلى إدراك العامة)، وعلى فرض عدم دلالته عليها فهو لم ينفها.
لو فرضت المعارضة بين العقل والسمع؛ فإن السمع مقدم لأن عليه المعول في باب الغيبيات وأعظمه باب الأسماء والصفات.
قال شيخ الإسلام في التدمرية:
ولهذا لا يوجد لنفاة بعض الصفات دون بعض - الذين يوجبون فيما نفوه: إما التفويض وإما التأويل المخالف لمقتضي اللفظ -؛ قانون مستقيم. انتهى.
ومن تناقضهم في التأويل الذي فروا إليه: أنك لا تجد فرقاً بين المعنى المصروف إليه والمعنى المصروف عنه الذي ينفونه، فيلزمهم في المعنى المصروف إليه الذي يثبتونه نظير ما يلزمهم في المعنى المصروف عنه الذي ينفونه، ومثال ذلك: صفة اليد حرفوها بالقوة، و صفة المحبة حرفوها ب: إرادة الثواب، و يلزمهم في الإرادة نظير ما فرروا منه في صفة المحبة.
قال في التدمرية:
وَأَمَّا التَّأْوِيلُ الْمَذْمُومُ وَالْبَاطِلُ؛ فَهُوَ تَأْوِيلُ أَهْل التَّحْرِيفِ وَالْبِدَعِ الَّذِينَ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ وَيَدَّعُونَ صَرْفَ اللَّفْظِ عَنْ مَدْلُولِهِ إلَى غَيْرِ مَدْلُولِهِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ يُوجِبُ ذَلِكَ وَيَدَّعُونَ أَنَّ فِي ظَاهِرِهِ مِنْ الْمَحْذُورِ مَا هُوَ نَظِيرُ الْمَحْذُورِ اللَّازِمِ فِيمَا أَثْبَتُوهُ بِالْعَقْلِ وَيَصْرِفُونَهُ إلَى مَعَانٍ هِيَ نَظِيرُ الْمَعَانِي الَّتِي نَفَوْهَا عَنْهُ فَيَكُونُ مَا نَفَوْهُ مِنْ جِنْسِ مَا أَثْبَتُوهُ فَإِنْ كَانَ الثَّابِتُ حَقًّا مُمْكِنًا كَانَ الْمَنْفِيُّ مِثْلَهُ وَإِنْ كَانَ الْمَنْفِيُّ بَاطِلًا مُمْتَنِعًا كَانَ الثَّابِتُ مِثْلَهُ.
وقال في بيان تلبيس الجهمية:
ما من أحد ينفي صفة من الصفات التي وردت بها النصوص أو يتأولها على خلاف مفهومها فراراً من محذور ينفيه الا ويلزمه فيما أثبته نظير ما فر منه فيما نفاه؛ فسبحان من لا ملجأ منه الا اليه اللهم انا نعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك ونعوذ بك منك لا نحصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك. انتهى.

* الأصل الثاني: نفى الله المثل في حقه وأثبت لنفسه الصفات؛ وتوهم التشبيه من الإثبات تقدمٌ بين يدي الله، وقدح في علمه وحكمته وبيانه.

وهذا التمثيل الذي يتوهمونه من ظاهر نصوص الصفات ويتطلبون من أجله التأويل ممتنع في حق الله أشد الامتناع؛ لأن الله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم من أن يكون كلامه الذي وصف به نفسه لا يظهر منه الإ ما هو كفر - وهو التمثيل - ويترك عباده يعتقدون هذا الكفر ويموتون عليه دون نهي لهم عن اعتقاده، وكيف يليق بالنبي  أن يكتم أن ذلك الظاهر المتبادر كفرٌ وضلالٌ يجب صرف اللفظ عنه ويموت كاتماً لذلك؛ فمن الممتنع أشد الإمتناع أن يكون القرآن أو السنة الصحيحة محتملين لمعنى باطل فضلاً عن أن يقال إنه الظاهر منهما.
وقد دل الكتاب والسنة على قواعد عظيمة تحقق جانب الإثبات وجانب التنزيه من غير معارضة بينهما:
الأولى: إثبات كل ما أثبته الله لنفسه؛ لأنه سبحانه لا يثبت لنفسه الإ الكمالات.
الثانية: نفي كل ما نفاه الله عن نفسه؛ لأنه لا ينفي إلا ما هو نقص في حقه.
الثالثة: نفي مماثلة الله لخلقه في جميع صفاته الثابتة له مع تحقيق الإثبات؛ لأن المتماثلين يتماثلان فيما يجوز عليهما ويجب لهما ويمتنع عليهما، وهذا إسقاط لمقام الربوبية وإبطال للعبودية.
الرابعة: نفي كل ما ينافي كماله الثابت له سبحانه؛ كالذي ينافي كمال حياته أو كمال قيوميته أو كمال غناه أو كمال قدرته؛ لأن إثبات الشيء نفي لضده، واجتماع الضدين ممتنع.
الخامسة: السكوت عما سكت عنه الشرع في حق الله نفياً أو إثباتاً، ولم يكن في العقل الفطري أو في قواعد الشرع العامة ما ينفيه.
وثمَّ أصل جامع؛ وهو أن كل نص من نصوص الإثبات للأسماء والصفات متضمن للتنزيه؛ لأنه ما من نص إلا وسياقه دال على اختصاص الله بهذا الاسم وتلك الصفة، وتحقيق الاختصاص تنزيه، ولأن الإثبات مدح، والمدح مستلزم نفيَ ما يعارضه أو يقدح فيه؛ وذلك تنزيه، وأن كل نص من نصوص التنزيه متضمن لإثبات الكمال؛ لأنه يدل على اختصاص الله بكمال معين لا يشاركه فيه غيره فتضمن كمالاً ولا بد، ولأن التنزيه بالنفي الخاص مستلزم إثبات ضده من الكمال الخاص.

* الأصل الثالث: أركانُ الإيمانِ بالاسم اللازم ثلاثة: الإيمان بالصفة التي دل عليها، وبأن لها معنى معلوما في لغة العرب، والإيمان بأنها مقيدة بما يجعلها مختصة بالله؛ فتؤمن بأن الله حي، وبأنه ذو حياة، وحياته كاملة لم تسبق بعدم ولا يلحقها زوال لا ابتداء لأوليتها ولا انتهاء لآخريتها.
وأركان الإيمان بالاسم المتعدي أربعة: الإيمانُ بالصّفةِ التي دل عليها ، والإيمان بأن لها معنى معلوماً في لغة العرب، والإيمان بأنها مقيدة بما يجعلها مختصة بالله، والإيمان بما تعلَّقَ بها من الآثارِ؛ فَتُؤْمِنُ بأنّ الله عليمٌ، وذو علمٍ، وعلمه لم يسبق بجهل ولا يلحقه نسيان، ويستوي فيه الغيب والشهادة، وأنَّه لا تَخْفَى عليه خَافِيةٌ.
ويتفرع عن هذا الأصل أربعة أصول لا انفصام بينها:
1.. ظواهر نصوص الأسماء والصفات حق.
وظاهر الكلام ما يفهمه أهل اللسان منه بحسب سياقه وما يضاف إليه ، وإن شئتَ قلتَ: هو ما يسبق إلى العقل الصريح ويتبادر إلى الذهن من سياق الكلام العربي عند أهله.
وظاهر نصوص الكتاب والسنة بهذا المعنى حق في نفسه مراد لله و لرسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله عز وجل حض على تدبر كتابه فقال: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد: 24)، ومن تدبر كلاماً انقاد إدراكه إلى تحصيل المعنى الظاهر منه و لابد، ولأنه تعالى أنزل وحيه كتاباً وسنة بهذا اللسان العربي، كما قال تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(الزخرف:3)، وقال: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(يوسف: 2)، وبين في هاتين الآيتين أن عقل المراد وفهمه هو الحكمة من إنزاله كذلك، ولا يتصور هذا الفهم إلا بإمرار ألفاظ نصوصه على ظاهرها في اللغة العربية.
ثم إن اطراد نصوص الصفات في جميع مواردها على ذكر الصفات صراحة مع إنتفاء القرينة في شيء منها ينفي إمكان صحة التأويل إلا ممن يبتغي خلاف الهداية للمخاطبين، ولا يقع هذا في كلام الله ألبتة.
فكيف إذا علمت أن مشركي العرب وقد كانوا جاهدين في معارضة القرآن والطعن في النبي صلى الله عليه وسلم، لم يقولوا: إن ظاهره يتضمن إنتقاصاً لله وأنه مفتقر لتأويل ليليق به، وهذا أقوى حجة لهم لو كان؛ من قولهم: أساطير الأولين، أو إنه تعليم بشر من الأعجمين.
وقد اتكأ أهل التأويل المحرفة على نظرية اختلف في ثبوتها وهي المجاز ليضفوا على تأويلهم شيئاً من الشرعية.
فاعلم أن المجاز في الصفات ممتنع: لأمور:
أولها:أن المجاز يجوز نفيه بإجماع القائلين به، ولا يجوز أن يكون في القرآن شيء يجوز نفيه؛ فكيف بآيات الصفات التي هي خبر الله عن نفسه.
الثاني: أن المجاز لا يصح إجراؤه إلا بالقرينة الصارفة عن الحقيقة، والقرينة قائمة على النظر والقياس؛ فلا يجري إلا في الأمور الخاضعة لميزان العقل أو المشاهدات؛ فخرج بذلك الغيبيات، والصفات من الأمور الغيبية.
الثالث: أن يقال: النص بذاته هل يفيد الحق، أم أنه يفيد الباطل، فإن قالوا: إنه بذاته يفيد الحق الذي يزعمونه هم حقاً، قلنا: لم يعد ثم حاجة إلى هذا التأويل، ونلزم طريقة أهل السنة ، وإن قالوا: إنه لا يفيد حقاً ولا باطلاً. قيل: هذا ممتنع؛ لأن القرآن قد نزل بلسان عربي على أهل اللسان العربي، فلا بد أن يفهموا عنه معنى؛ إما أن يكون هذا المعنى حقاً وإما أن يكون باطلاً، فقالوا: إن النص بذاته من حيث هو لا يفهم عنه إلا الباطل الذي لا يليق بالله، وهو النقص، وهذا من أعظم الجناية إذ تنقيص الباري كفر به فكيف يظهر من كلامه، وقد صرح بعضهم بأن الأخذ بظواهر القرآن من أصول الكفر والعياذ بالله؛ فصار الدليل الذي يسمونه قرينة إنما هو محصل تام للحق، وأي حق؟! إنه أن يكون الله خاطبنا بنصوص لم يعلم المسلمون منها إلا المعنى المرجوح حتى جاء المتكلمون وبينوا الوجه الراجح اللائق بقائله سبحانه. (مستفاد من كلام للشيخ الغفيص).
الرابع: أن فرض دلالة الكلام على معان متعددة متباينة متعارضة مع إخلاء الكلام من قرينة تدل على أحدها ينزه عنه كلام العربي سليم القصد من الإلغاز و التلبيس والتعمية والتضليل ؛ فكيف بكلام الله المحكم المنزل للتعبد والإعجاز والهداية وإقامة الحجة؛ فلا يكون بسياقه إلا دالاً على مراد الله في نفس الأمر غير محتمل لمعنى ينافي مراده ولا يخبر تعالى عن نفسه بما لا يتعين مراداً له؛ و المجاز عندهم مبني على وجود وضعين متعارضين أحدهما الحقيقة والآخر المجاز؛ فإن قالوا: نحمله على المجاز بقرينة؛ قلنا: هو بسياقه حقيقة لم يتبادر إلى ذهن السامع له غيرها بذاك السياق، هذا لو سلمنا أن القرينة التي يريدون هي القرينة التي نريد؛ حقيقة القرينة عندهم مخالفة عقولهم وإيهام التشبيه.
واستمع لقول ابن القيم في الصواعق المرسلة:
ومن أبين المحال وأوضح الضلال؛ حمل ذلك كله على خلاف حقيقته وظاهره ودعوى المجاز فيه والاستعارة، وأن الحق في أقوال النفاة المعطلين، وأن تأويلاتهم هي المرادة من هذه النصوص؛ إذ يلزم من ذلك أحد محاذير ثلاثة لا بد منها أو من بعضها وهي:
القدح في علم المتكلم بها.
أو في بيانه.
أو في نصحه.
وتقرير ذلك أن يقال: إما أن يكون المتكلم بهذه النصوص عالما أن الحق في تأويلات النفاة المعطلين أو لا يعلم ذلك؛ فإن لم يعلم ذلك والحق فيها كان ذلك قدحا في علمه، وإن كان عالما أن الحق فيها فلا يخلو؛ إما أن يكون قادراً على التعبير بعباراتهم التي هي تنزيه لله بزعمهم عن التشبيه والتمثيل والتجسيم وأنه لا يعرف الله من لم ينزهه بها أو لا يكون قادرا على تلك العبارات؛ فإن لم يكن قادرا على التعبير بذلك؛ لزم القدح في فصاحته وكان ورثة الصابئة وأفراخ الفلاسفة وأوقاح المعتزلة والجهمية وتلامذة الملاحدة أفصح منه وأحسن بياناً وتعبيراً عن الحق، وهذا مما يعلم بطلانه بالضرورة أولياؤه وأعداؤه موافقوه ومخالفوه؛ فإن مخالفيه لم يشكوا في أنه أفصح الخلق وأقدرهم على حسن التعبير بما يطابق المعنى ويخلصه من اللبس والإشكال، وإن كان قادرا على ذلك ولم يتكلم به وتكلم دائما بخلافه وما يناقضه كان ذلك قدحا في نصحه، وقد وصف الله رسله بكمال النصح والبيان فقال تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم)، وأخبر عن رسله بأنهم أنصح الناس لأممهم فمع النصح والبيان والمعرفة التامة كيف يكون مذهب النفاة المعطلة أصحاب التحريف هو الصواب وقول أهل الإثبات أتباع القرآن والسنة باطلاً ؟!.
الخامس: الاجماع على إمتناعه فيها نقله ابن عبدالبر في التمهيد (7/145) قال:
أَهْلُ السُّنَّةِ مُجْمِعُونَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ كُلِّهَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَالْإِيمَانِ بِهَا، وَحَمْلِهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى الْمَجَازِ إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يُكَيِّفُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَحُدُّونَ فِيهِ صِفَةً مَحْصُورَةً، وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ وَالْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ كُلُّهَا وَالْخَوَارِجُ فَكُلُّهُمْ يُنْكِرُهَا، وَلَا يَحْمِلُ شَيْئًا مِنْهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِهَا مُشَبِّهٌ، وَهُمْ عِنْدَ مَنْ أَثْبَتَهَا نَافُونَ لِلْمَعْبُودِ، وَالْحَقُّ فِيمَا قَالَهُ الْقَائِلُونَ بِمَا نَطَقَ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ، وَهُمْ أَئِمَّةُ الْجَمَاعَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.
ولما كان ورود المجاز في نصوص الصفات بعيداً غاية البعد شرعا وعقلاً نبه أهل العلم إلى أنه يلزم مدعي المجاز في صفة من صفات الله تحقيق خمسة مقامات؛ دون الأشاعرة ودونها خرط القتاد:
1. إقامة الدليل على أن هذا اللفظ يجوّز هذا المعنى في لغة العرب.
2. بيان احتمال اللفظ في ذلك التركيب الذي وقع فيه؛ للمعنى الذي تأوله؛ فإن اللفظ قد لا يحتمل ذلك المعنى لغة، وإن احتمله فقد لا يحتمله في ذلك التركيب الخاص.
3. إقامة الدليل الصارف للفظ عن حقيقته وظاهره؛ فإن دليل المدعي للحقيقة والظاهر قائم؛ فلا يجوز العدول عنه إلا بدليل صارف يكون أقوى منه.
4. بيان دليل تعيين ذلك المعنى الذي زعمه فإنه إذا أُخرج عن حقيقته قد يكون له معانٍ؛ فتعيين ذلك المعنى الخاص يفتقر إلى دليل خاص.
5. الجواب عن المعارض فإن مدعي الحقيقة قد أقام الدليل السمعيَ العام والخاص والعقليَ العام والخاص على إرادة الحقيقة.
وغالباً ما يبطل إدعاؤهم للمجاز من المقام الأول؛ وإلا فمن الثاني، ولا يتعدونه.
2. الإضافة تمنع التماثل.
فإن الله جل شأنه سمى نفسه سميعاً بصيراً فقال: (إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) (النساء: 58)، وسمى الإنسان سميعاً بصيراً فقال: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً)(الإنسان: 2)، وليس السميع البصير كالسميع البصير، وسمى نفسه حياً فقال: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ) (الفرقان: 58)، وسمى الإنسان حياً فقال: (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ) (آل عمران: 27)، وليس الحي كالحي .
وأثبت لنفسه علماً فقال: (وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) (البقرة: 235)، وأثبت للإنس علماً فقال: (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) (الإسراء: 85)، وأثبت للملائكة علماً كما في قولهم: (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (البقرة: 32)، وليس العلم كالعلوم، وأثبت لنفسه قوة وللإنسان قوة، وليست القوة كالقوة كما قال: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) (فصلت: 15)، و صفات الله لائقة بكماله مختصة به لا يشركه فيها غيره، وصفات مخلوقاته لائقة بنقصهم و افتقارهم مختصة بهم؛ فالفرق بينها كالفرق بين الله وبين خلقه.
وهذه القاعدة الشرعية العقلية، جاءت قواعد شرعية تعززها :
1. قاعدة (ما من نص إلا وسياقه دال على اختصاص الله بهذا الاسم وتلك الصفة ونفي المماثلة)، ومن أمثلتها: أن الله وقد وصف نفسه بصفة اليدين أخبر أن الأرض جميعاً قبضة إحدى يديه والسماوات مطويات بيمينه فقال: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سبحانه وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الزمر: 67)، ويمتنع حساً وعقلاً مماثلة أي متصف بصفة اليدين له تعالى في صفته هذه، ومن ذلك: نصوص صفة الاستواء؛ فإنها إنما وردت في سياق آيات تعظيم الله وبيان عظيم خلقه وقدرته؛ قال تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [الأعراف : 54]، وقال: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ) [يونس : 3]، وقال: (اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) [الرعد : 2]، وقال: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه : 5]، وقال: (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً) [الفرقان : 59]، وقال: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ) [السجدة : 4]، وقال: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الحديد : 4].
2. قاعدة (المثل الأعلى) التي ذكرها الله في قوله: (لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [النحل: 60]، والمثل الأعلى هو الوصف الأكمل الذي لا يشاركه غيره في أصله ك "رب العالمين" أو في كماله ك "ذي الرحمة".
وهذا المثل الأعلى العام المانع للمماثلة جاء ما يبينه تفصيلاً وذلك بالتصريح في نصوص كثيرة بأن آحاد صفاته لا أكمل منها، من ذلك قول الله تعالى: (فاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (يوسف: 64)، وقوله: (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) (الإسراء: 55)، وقوله: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً)(النساء: 87).
وثمرة هذا الأصل أن تعلم أن التمثيل المنفي في النصوص الشرعية هو ما يستلزم ثبوت شيء من خصائص المخلوق للخالق، و أن تعلم أنه ما من صفة ثابتة لله إلا وقد أضافها لنفسه إضافةً توجب اختصاصه فيها وتمنع مماثلة غيره له فيها بوجه من الوجوه، مع الإيقان التام بأن ما اختص الله به وامتاز عن خلقه أعظم مما يخطر بالبال أو يدور في الخيال.
ومما يتصل بقاعدة الإضافة؛ قاعدة يذكرها أهل العلم تبين وجه تناقضهم في التفريق بين الإضافة إلى المخلوق والإضافة إلى الخالق، وهي:
الأسماءُ والصّفاتُ الثابتة في حقِّ الخالقِ والمخلوقِ، كالعلمِ، والقدرةِ، والسّمعِ، والبصرِ، واليدين والرحمة ونحوها؛ هي حقيقةٌ في الخالقِ والمخلوقِ، ومن فرّق بينهما؛ فقد فرق بين متماثلين، والتفريق بين المتماثلات ظلم؛ كما التسوية بين المختلفات ظلم، وقد وصف الله نفسه بصفات وصف بعض خلقه بها في آية واحدة، وهذا كثير في القرآن مع ذكر ما يبين إختصاص الله بكمال صفته:
فمن الصفات الذاتية: ما جاء في قوله تعالى: (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)، وقوله: ( فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً).
ومن الصفات الفعلية: ما جاء في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)، وقوله في أربع آيات: (رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)، وقوله: (لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)، وقوله: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ)، وقوله: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ)، وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ).
3. أسماءُ اللهِ وصفاتُه من قبيلِ المُحْكمِ لا المتشابِه، فإنَّ معناها واضحٌ معروفٌ في لغةِ العربِ، وأمَّا الكُنْهُ والكَيْفِيَّةُ فهو ممَّا اسْتَأثَرَ اللهُ بِعِلْمِهِ.
وقد دل على الأصل الأول وجوه:
الأول: قال تعالى: (وأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل: 44).
وبيان النبي صلى الله عليه وسلم يعم بيان ألفاظه وبيان معانيه، وأشرف ما جاء فيه أسماء الله وصفاته.
ومن المحال أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم بين لأصحابه سنن الفطرة وأحكام قضاء الحاجة، ولم يبين لهم التوحيد العلمي والعملي، وإلا كان قدحاً في القرآن و اتهاماً للنبي صلى الله عليه وسلم؛ إما بالجهل بمعاني صفات الرب سبحانه، وإما بكتم بيانها بعد علمها وتركها ملتبسةً مشتبهة على الناس، وكلاهما من أبطل الباطل، كيف وقد تحقق له صلى الله عليه وسلم من العلم بالله، والصدق في الحديث، والفصاحة والبيان، وإرادة النصح للعباد مالم يتحقق لبشر؟، وهو الذي بلغ البلاغ المبين وترك الأمة على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء.
الثاني: قال الله تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)(ص: 29)؛ فمن مقاصد تنزيل الكتاب تدبر آياته، ولم يُستثن منها شيء، والتدبر بدون الفهم ممتنع.
وقال تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد: 24)؛ فنعى الله على قوم – قلوبهم مقفلة – تركهم تدبر كتابه؛ فعُلم أن معاني القرآن تدرك بتدبره؛ فإذا علمتَ أن هذه الآية نزلت في الكفار والمنافقين، وأن فيها إمكان معرفتهم لمعاني هذا الكتاب بتدبره؛ تبين لك بجلاء إمكان معرفة معانيه وعقل مراد الله فيه لعباده المؤمنين المعتصمين بكتابه المستبشرين بما أنزل إليهم من كلامه تلاوة له وتعليماً وتفهماً له وتحكيماً؛ فمن زعم بعد ذلك أن الصحابة كانوا جاهلين بمعاني الصفات لزم على قوله أن يكون الله قد ذم صحابة نبيه صلى الله عليه وسلم في كتابه.
الثالث: قال جل وعلا: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(الزخرف: 3)؛ فالحكمة من جعله عربياً عقله وفهمه، ولا يتأتى ذلك إلا مع العلم بمعانيه، ومنها معاني الأسماء والصفات وهي متواترة فيه؛ وإلا كان تكليفاً بمستحيل، والله منزه أن يكلف نفساً إلا ما أتاها.
الرابع: عن أبي رزين العقيلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غِيَره "، قلت: يا رسول الله، أوَ يضحك الرب، قال: " نعم "، قلت: لن نعدم خيراً من رب يضحك "؛ ففهم هذا الصحابي بفطرته وسليم لغته من ثبوت الضحك صفةً؛ ثبوت معناها ومقتضاها، ثم لم يتبادر إلى ذهنه في هذا المعنى إلا الكمال.
الخامس: أن من المحال أن تكون أسماء الله وصفاته والعلم بها أعظم المطالب وإحصاؤها غاية المواهب بمنزلة الألغاز والأحاجي التي لا تدرك معانيها.
السادس: أن الغاية من إخبار الله عن أسمائه وصفاته؛ علم خلقه به؛ ليكونوا إليه أقرب وله أخشى وأحب ولعبادته أطلب وعن معصيته أبعد؛ فيدرك الموفق منهم منازلَ الكُمل من عباده المتعبدين له سبحانه بمقتضى معرفتهم به وعلمهم بمعاني أسمائه وصفاته وآثارها، ولو كانوا جاهلين بمعاني ما أُخبروا به من ذلك؛ لفاتت هذه المقاصد العظمى.
السابع: أن أهل الجاهلية من العرب كانوا باذلين لوُسعهم في معارضة النبي صلى الله عليه وسلم والصد عنه ولو بالباطل ولم يقولوا: إن محمداً يتلو كلاماً يزعم أنه كلام الله ومعانيه في الخبر عن ربه لا تعقل، وهذا أظهر حجة لهم -لو كان- من قولهم كذباً: إنما يعلمه بشر.
و أما قول الله تعالى: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ) (آل عمران: 7)؛ فلا دليل فيه على أن في كتاب الله ما لا يُعلم معناه؛ فإن التأويل المنفي في الآية يتناوله أحد معنيين لا ثالث لهما كل له وجهه باعتبار:
الأول: الحقيقة التي يؤول إليها الكلام، وعلى هذا المعنى يجب الوقف عند قوله: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ)؛ فتأويل ما أخبرنا الله من صفاته بهذا المعنى لا يعلمه إلا الله ، ولا يعلمه المؤمنون الإ حين أن يمن عليهم ربهم برؤيته عياناً بأبصارهم في جنات النعيم، ولا يحيطون به رؤية لعظمته سبحانه .
الثاني: معنى الكلام وتفسيره، وعلى هذا لا يجوز الوقف على قوله: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ).
وقد ثبت القولان عن السلف، وإن كان الأول منقولاً عن جمهورهم، مع اتفاقهم على أنه ليس في القرآن آيات لا يعلم معناها جميع الناس، وإنما قد ينُفى علم معنى المتشابه عن بعض الناس من غير الراسخين في العلم.
والمفوضة ينفون العلم بمعاني الصفات وينفون التأويل مطلقاً دون التفصيل السابق محتجين بهذه الآية، ثم هم أنفسهم ينفون ظاهر اللفظ المتبادر منه و ينفون كون المعنى المراد من اللفظ هو ما يُفهم منه بلغة العرب، وهذا تناقض؛ لأن من نفى التأويل فقد فهم من اللفظ معنى من المعاني، فتبين أن أهل التفويض يوافقون المعطلة النفاة في نفي الظاهر المتبادر من اللفظ، ويوافقون الممثلة في نفي التأويل مطلقاً، وتزيد عليهم بإجراء اللفظ على ظاهره لكن مع التمثيل.
وأما كيفية الصفات وحقائقها فهي غير معقولة للبشر، وأهل الحق منهم يكِلون علمها إلى عالمها، ويقطعون الطمع عن إدراكها.
وقد دل على هذا الأصل وجوه:
الأول: قال الله تعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)؛ فالعباد لا يحيطون بالله علماً، وليس لهم من العلم به إلا ما أخبرهم به، كما قال سبحانه: (وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء)،- على أحد التفسيرين في الآية -، والله أخبرنا عن ذاته وصفاته، ولم يخبرنا عن كيفيتها وحقيقتها؛ فوجب الوقوف عما سكت عنه الخبر.
الثاني: أننا كما لا نعلم كيفية ذات الله؛ فكذلك لا نعلم كيفية صفاته؛ إذ العلم بكيفية الصفة فرع العلم بكيفية الموصوف.
الثالث: أن اجتماع العلم بالمعنى والجهل بالكيفية غير ممتنع لا شرعاً ولا عقلاً؛ فإننا نعلم معاني ما ذكر الله من أجناس نعيم أهل الجنة أو أنواع عذاب أهل النار، ولا ندرك حقائقها.
الرابع: أن العقول لا تحيل أن تثبُت الصفاتُ للموصوف الموجود دون العلم بكيفياتها؛ فإننا نعلم بالشرع والحس أن الروح موصوفة بصفات كثيرة؛ فهي تصعد ويتبعها البصر، وتقبض من البدن فيصير هامداً، وتتعارف في الدنيا مع غيرها من الأرواح وتتناكر، ولا نعلم كيفية ذلك؛ فعجزنا عن إدراك كيفية صفات الله بعد إثباتها أولى.
الخامس: إذا كانت عقول بني آدم عاجزة عن إدراك بعض ما يدركه بعضهم من معارف وعلوم؛ فما ظنك بعجزهم عن إدراك كيفية صفات ربهم، وقد خفيت على جميع بني آدم، وفيهم الأنبياء والمرسلون عليهم السلام.
وقد جمع أئمة السلف بين هذين الأصلين: العلم بالمعنى، و الجهل بالكيفية في قولهم في آيات الصفات وآحاديثها: " أمروها كما جاءت بلا كيف "، أي: أمروا الألفاظ على ما هي عليه بدلالتها على معانيها، ولهذا قالوا: بلا كيف؛ إذ إن نفي العلم بالكيفية عما ليس بثابت أو ما لا يعرف له معنى لغو بإجماع مَن يفهم.
* الأصل الربع: إذا صح عن الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب العلم والعمل، لا فرق بين متواتر وآحاد في العمل وأصل العلم، ولا فرق بين كونه في أصول الدين أو غيرها.
دل لحجية خبر الآحاد إذا صح الكتاب والسنة والإجماع والنظر الصحيح.
فأما الكتاب فيدل على ذلك من وجوه:
1. الأمر بقبوله في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ )، وقوله: (قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)، ولم يفرق بين أمر نبيه صلى الله عليه وسلم المتواتر عنه أو الآحاد.
2. التحذير من رده في قوله تعالى ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، وقوله: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً)، ولم يفرق بين الآحاد والمتواتر.
3. إقرار الله لمن قبله من رسله؛ فقد قبله موسى من الذي جاء من أقصى المدينة قائلاً له: (إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك)؛ فجزم بخبره وخرج هارباً من المدينة ، وقبل خبر بنت صاحب مدين لما قالت: (إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا) ، وقبل خبر أبيها في قوله: هذه ابنتي وتزوجها بخبره، وقبل يوسف الصديق خبر الرسول الذي جاءه من عند الملك وقال: (ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة).
4. الأمر بالتحري في خبر الفاسق في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) وفي القراءة الأخرى: (فتثبتوا)، ومفهوم المخالفة من ذلك الإذن بالجزم بقبول خبر الثقة الواحد، وقد أمر الله بالتثبت ولم يأمر بالتواتر.
5. الثناء على طائفة من المؤمنين ينفرون للتفقه في الدين وينذرون قومهم إذا رجعوا إليهم في قوله: ( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)، والطائفة تقع على الواحد فما فوقه.
وأما السنة؛ فتدل على ذلك من وجوه:
1. الثناء على من نقله كما سمعه في حديث عبدالله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نضر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها ، فرب حامل فقه إلى غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله ، والنصيحة للمسلمين ، ولزوم جماعتهم . فإن دعوتهم تحيط من ورائهم"، قال الإمام الشافعي: فلما ندب رسول الله صلى الله عيه وسلم إلى استماع مقالته وحفظها وأدائها أمر أن يؤديها ولو واحد؛ دل على أنه لا يأمر من يؤدي عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدى إليه ؛ لأنه إنما يؤدي عنه حلال يؤتى ، وحرام يجتنب وحد يقام ومال يؤخذ ويعطى ، ونصيحة في دين ودنيا ، ودل على أنه قد يحمل الفقه غير الفقيه يكون له حافظاً ولا يكون فيه فقيهاً ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلزوم جماعة المسلمين مما يحتج به في أن إجماع المسلمين لازم. انتهى.
2. قبوله صلى الله عليه وسلم له؛ فقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم خبر الآحاد الذين كانوا يخبرونه بنقض عهد المعاهدين له وغزاهم بخبرهم، واستباح دماءهم وأموالهم وسبي ذراريهم بل قبل خبر تميم الداري رضي الله عنه في الجساسة وفرح به.
3. إرساله صلى الله عليه وسلم الآحاد إلى الأمصار والملوك يدعون إلى التوحيد وجعله ذلك حجة على المرسل إليهم..
وفعل الصحابة قاض بقبوله كذلك؛ فإنهم كانوا يجزمون بما يحدّث به أحدهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل أحد منهم لمن حدثه: خبرك خبر واحد ولا يفيد العلم حتى يتواتر، وكان أحدهم إذا روى لغيره حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصفات تلقاه بالقبول واعتقد تلك الصفة به على القطع واليقين ، كما اعتقد جابر بن عبدالله نداءه تعالى يوم القيامة لعباده بالصوت الذي يسمعه البعيد كما يسمعه القريب من حديث عبدالله بن أنيس رضي الله عنه وهو واحد، و اعتقدوا ضحكه وفرحه وإمساك سماواته على إصبع من أصابع يده وإثبات القدم له وغيرها، ولم تبلغ أحاديثها حد التواتر.
ويدل لقبوله بعد الإجماع: النظر الصحيح؛ فإن التفريق بين الآحاد في العقيدة والآحاد في الأحكام تفريق بين المتماثلات، والتفريق بين المتماثلات ظلم؛ فإنها جميعاً لا تعلم إلا بوحي وقد كلف الله عباده بها جميعاً.
ومن كلام الأئمة في وجوب قبوله:
قال الامام اسحاق بن راهوية (238):: دخلت على ابن طاهر فقال: ما هذه الأحاديث؛ يروون أن الله ينزل إلى السماء الدنيا؟ قلت: نعم، رواها الثقات الذين يروون الأحكام فقال: ينزل ويدع عرشه؟ فقلت: يقدر أن ينزل من غير أن يخلو منه العرش؟ قال: نعم، قلت: فلم تتكلم في هذا. ذكره الذهبي في العلو للعلي العظيم (484).
وقال عباد بن العوام: قدم علينا شَريك [ القاضي (277)] فسألناه عن الحديث: إن الله ينزل ليلة النصف من شعبان قلنا إن قوما ينكرون هذه الاحاديث قال: فما يقولون؟ قلنا: يطعنون فيها فقال: إن الذين جاءوا بهذه الاحاديث هم الذين جاءوا بالقرأن وبأن الصلوات خمس وبحج البيت وبصوم رمضان فما نعرف الله إلا بهذه الأحاديث. رواه عبدالله بن أحمد في السنة (برقم 508).
وقال الامام الآجري (360) في الشريعة (2/1068) بعد ذكره أحاديث في الصفات: هذه السنن كلها نؤمن بها ، ولا نقول فيها: كيف؟ والذين نقلوا هذه السنن هم الذين نقلوا إلينا السنن في الطهارة ، وفي الصلاة ، والزكاة ، والصيام ، الحج ، والجهاد ، وسائر الأحكام من الحلال والحرام ، فقبلها العلماء منهم أحسن قبول، ولا يرد هذه السنن إلا من يذهب مذهب المعتزلة ، فمن عارض فيها أو ردها ، أو قال: كيف؟ فاتهموه واحذروه.
وقال الامام ابن بطة (387) في الابانة: اعلموا رحمكم الله أن من صفات المؤمنين من أهل الحق؛ تصديقَ الآثار الصحيحة وتلقيها بالقبول وترك الاعتراض عليها بالقياس ومواضعه القول بالآراء والأهواء؛ فإن الإيمان تصديق والمؤمن هو المصدق، قال الله عز و جل: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)؛ فمن علامات المؤمنين أن يصفوا الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله مما نقلته العلماء ورواه الثقات من أهل النقل الذين هم الحجة فيما رووه من الحلال والحرام والسنن والآثار ولا يقال فيما صح عن رسول الله: كيف ولا لم، بل يتبعون ولا يبتدعون ويسلمون ولا يعارضون ويتيقنون ولا يشكون ولا يرتابون؛ فكان مما صح عن النبي رواه أهل العدالة ومن يلزم المؤمنين قبول روايته وترك مخالفته: أن الله تعالى يضحك فلا ينكر ذلك ولا يجحده إلا مبتدع مذموم الحال عند العلماء داخل في الفرق المذمومة وأهل المذاهب المهجورة عصمنا الله وإياكم من كل بدعة وضلالة برحمته.
ويلزم من رده لوازم باطلة؛ منها:
1.رفع الثقة بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم جملة؛ لأن أكثر نصوص السنة آحاد، بل إن المتواتر اللفظي نادر.
2. القدح في الرب لأنه أرسل رسلاً بأخبار لا تبلغ الناس بوجه مقبول يوجب العمل.
3. رد أحكام الشريعة كلها؛ إذ ما من حكم شرعي عملي إلا وهو مقترن بعقيدة؛ هي إعتقاد وجوبه أو استحبابه.
4. أن يكون أكثر حديث النبي صلى الله عليه وسلم ظناً، والله قد ذم الظن.
5. تجويز أن يستقل العباد بمعرفة الحق في العقيدة دون رسالة، وحصر بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ببيان الأحكام.
6. القدح في الصحابة وفي الأئمة إلى يوم الدين؛ فإن الأمة من عهد الصحابة إلى الآن لم تزل تشهد على الله وعلى رسوله بمضمون هذه الأخبار جازمين بالشهادة في تصانيفهم وكلامهم؛ فلو لم يكونوا عالمين بصدق تلك الأخبار جازمين بها لكانوا قد شهدوا بغير علم وكانت شهادة زور وقولاً على الله ورسوله بغير علم - وحاشاهم-.
7. رد مذاهب الأئمة في الأحكام والتردد في مذهب أي منهم؛ لأن ناقليها عنهم لم يبلغوا حد التواتر.
أما ما زعمه المخالفون دليلاً لرد خبر الواحد في العقيدة وهو جواز الغلط على رواته أو الكذب ما داموا آحاداً ولا يقبل في العقيدة ظني؛ فهو باطل؛ لأن نقلة هذا الخبر النبوي أفضل الخلق بعد أنبياء الله عليهم السلام ديناً وعلماً شهدوا تنزل الشريعة شيئاً فشيئاً وفقهوا أحكامها، وعنهم التابعون ثم أتباعهم المشهود لهم بالخيرية المختصون عمن بعدهم بسلامة اللسان وملكة الحفظ العجيبة والحرص التام على تبليغ الدين كما أنزله الله، ولأن الخبر النبوي من وحي الله وحججه على خلقه، وقد تكفل الله بحفظ وحيه، ولأن الحديث النبوي عليه من الجلالة ونور النبوة ما يجعله غير ملتبس بغيره من كلام آحاد الناس، ولأن المتصدين لحمله وتدوينه ونشره أئمة فحول؛ يميزون الصحيح من السقيم والثقة من غيره؛ مع الدراية التامة و الورع الغالب والاحتياط الشديد.
وأما قياسهم الخبر على الشهادة فيشترط له ألا يكون خبر واحد؛ فهو قياس مع الفارق؛ إذ الخبر النبوي من وحي الله لا يتعلق بمعين؛ فلو أخطأ و لم يعلم خطؤه لكان الله لم يحفظ دينه، أما الشهادة فهي متعلقة بمعين في ماله أو دمه، والله لم يتكفل بحفظ أبدان عباده وأموالهم، على أن شهادة الشاهدين من الآحاد فإنها لم تبلغ حد التواتر.
* الأصل الخامس: النقل الصحيح عن الله أو رسوله لا يعارض العقل القطعي الصريح.
أدلة النقل عند الأشاعرة على نوعين:
1. دليل قطعي الثبوت، وهو القرآن والسنة المتواترة، وله مع العقل أحد حالتين:
- أن يوافقه؛ فهذا يقبل لموافقة العقل له.
- أن يخالفه؛ فهذا حقه التأويل ليوافق العقل؛ لأنه ظني الدلالة والعقل قطعي الدلالة.
2. دليل ظني الثبوت، وهو السنة الآحادية، وله مع العقل أحد حالتين:
- أن يوافقه؛ فهذا يقبل لموافقة العقل له، لا لذاته.
- أن يخالفه، وله معه أحد حالين:
أن يخالفه ويمكن تأويله؛ فهذا يؤوّل على سبيل التبرع.
أن يخالفه ولا يمكن تأويله؛ فهذا يرد ولا كرامة -نسأل الله السلامة-.
فجعلوا دلالة العقل قطعية بإطلاق، وجعلوا العقل أصلاً للسمع؛ بدعوى أن دليل صدق الرسول ونبوته هي المعجزات، والحكم بأن شيئاً ما معجزة حكم عقلي، ولا يجوز تقديم الفرع على الأصل؛ لأن ذلك قدح في الأصل و في الفرع.
فيقال: إن أرادوا أن العقل أصل للسمع في ثبوته في نفس الأمر؛ فهذا لايقوله عاقل؛ فإن رسول الله هو رسوله صدقه الناس أم كذبوه، وإن أرادوا أن العقل أصل في علمنا بصحة الأصل؛ فالجواب: أن الدال إذا نقض المدلول عليه بعد أن دل عليه فقد قدح في نفسه إذ قد قدح في دلالته عليه؛ فإن جاز أن تكون الدلالة باطلة لبطلان النقل للزم ألا يكون العقل دليلاً صحيحاً، وإذا لم يكن دليلاً صحيحا لم يجز أن يتبع بحال فضلاً عن أن يقدم على النقل، ثم إن أحداً لايقول: إن جميع المعقولات أصل في السمع؛ وليس القدح في بعضها قدحاً في جميعها.
وهذه المعارضة بينهما في عقول مدعيها ما كانت لتقع إلا بسبب تلبسهم بجنايتين عظيمتين: الجناية على السمع ، والجناية على العقل الذي مدحه الشرع، أما جنايتهم على الشرع فمن حيث إنهم لم يقدروه قدره فلم يفهموا منه إلا خلاف الحق والهدى، وظنو
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الأصول السلفية التي تنقض عقيدة الأشعرية في باب الصفات
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  طريقة التحميل من الروابط التي تطرح في المنتدي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ملتقى العلم الشرعي :: الفئة الأولى :: مجلس العلوم الشرعية :: العقيدة والقضايا الفكريه المعاصره-
انتقل الى: